المشي ليس مجرد حركة عابرة، بل هو عملية دقيقة تبدأ بتنشيط عضلة محددة فور ملامسة القدم للأرض، وتنتهي بعمل عضلة أخرى قبل رفعها. هذه الآلية المنسّقة تُظهر مدى تعقيد المشي كوظيفة بيوميكانيكية متكاملة.
تشير الأبحاث إلى أن بإمكانك خسارة ما يقارب 5 كيلوغرامات خلال 8 أسابيع فقط من خلال المشي المنتظم، دون الحاجة لتغيير نظامك الغذائي. لكن ما هو عدد الدقائق أو الخطوات التي ينبغي الالتزام بها لتحقيق هذه النتيجة؟
ومن المثير للدهشة، وجود عضلة عميقة خلف عضلة الساق (البطة)، تلعب دورًا مهمًا في خفض مستويات السكر في الدم، حتى أثناء الجلوس. كذلك، يمكن لتعديل بسيط في طريقة مشيك أن يحولها إلى تمرين فعال لحرق دهون البطن أو شد عضلات المؤخرة.
لكن، متى يبدأ الجسم فعلًا بحرق الدهون بدلاً من السكريات أثناء المشي؟ وما هي الدقيقة الحاسمة التي يحدث فيها هذا التحول الأيضي؟
الأهم من ذلك، ما هي الحالات الصحية المزمنة التي يمكن للمشي أن يساهم في تحسينها. بل وربما علاجها بشكل أسرع من بعض العلاجات الدوائية ومن أي أسبوع يمكن أن تبدأ بملاحظة تغيّر في قياسات الملابس ومتى ستبدأ بالشعور بالتحسن الصحي الداخلي قبل أن ترى نتائجه خارجيًا؟
للاطلاع على التفاصيل الكاملة حول كيفية تحويل المَشي إلى أداة فعالة لتحسين صحتك وفقدان الوزن. تابع قراءة المقالة الكاملة واستعد لاكتشاف معلومات قد تغيّر مفهومك عن هذه العادة البسيطة.
ما العضلات التي يُنشّطها المشي؟ وهل يمكن أن يسهم المشي في شدّ الجسم؟
يعد المَشي من أكثر الأنشطة البدنية بساطة وانتشارًا، إلا أن تأثيره على الجسم يتجاوز مجرد تحريك القدمين. في الواقع، يعتبر المشي تمرينًا متكاملًا يُفعّل سلسلة واسعة من العضلات تبدأ من القدم وتمتد حتى الرقبة. مما يساهم في تحسين التناسق العضلي وشدّ الجلد وتثبيت القوام.
عند ملامسة القدم للأرض، تبدأ عضلات باطن القدم والساق الأمامية بالعمل على تثبيت الجسم، بينما تؤدي عضلة الساق الخلفية (عضلة الساق أو “البطة”) دورًا محوريًا في دفع الجسم إلى الأمام، كما لو كانت محرّكًا نشِطًا. في الوقت ذاته، تمتص العضلة الرباعية (عضلة الفخذ الأمامية) الصدمة الناتجة عن الخطوة، وتعمل على تثبيت مفصل الركبة، بينما تقوم عضلات الفخذ الخلفية (الهامسترينغ)، الواقعة أسفل المؤخرة، بإبطاء حركة الساق عند الحاجة، وتمنح دفعة أخيرة لاستكمال الخطوة.
أما عضلات المؤخرة (الجلوتس)، فتلعب دورًا أساسيًا في فتح مفصل الورك والحفاظ على ثبات الحوض أثناء الحركة. إلى جانب ذلك. تسهم عضلات الحوض الجانبية، مثل عضلات التبعيد (Abductors) والتقريب (Adductors)، في منع انحراف الجسم جانبًا، ما يساهم في الحفاظ على التوازن.
وتشارك عضلات أخرى، مثل عضلات ثني الورك، في سحب الساق للأمام لإتمام دورة المشي. وفي منطقة الجذع. تعمل العضلات العميقة للبطن وأسفل الظهر على تثبيت العمود الفقري، كما تعد حلقة وصل لنقل القوة بين الأطراف العلوية والسفلية.
وبفعل هذا التناغم الحركي. تنشط عضلات الكتفين والرقبة أيضًا من أجل الحفاظ على استقامة الجسم، وضمان بقاء الرأس مرفوعًا أثناء المشي، وهو ما يعزز من الوضعية الصحيحة ويقلل من احتمالية الإصابة بالإجهاد أو التقلصات العضلية.
ولا يقتصر تأثير على تحريك وشدّ العضلات فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيرات فسيولوجية واسعة النطاق. فالنشاط المنتظم أثناء المشي يسهم في تحفيز عضلة القلب. وتوسيع الرئتين، وتنشيط الدورة الدموية، مما يعزز من كفاءة الجهاز القلبي التنفسي ككل. ولهذا لم يكن الطبيب اليوناني الشهير أبقراط مبالغًا حين قال: “المشي هو أفضل دواء للإنسان.”
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن بعض التعديلات البسيطة والذكية على نمط المَشي يمكن أن تحوّل هذا النشاط اليومي إلى تمرين رياضي متكامل. فعلى سبيل المثال، شد عضلات البطن أثناء المشي. أو زيادة طول الخطوة، أو تفعيل حركة الذراعين بشكل أكبر، كلها استراتيجيات فعّالة ترفع من شدة التمرين وتزيد من معدّل حرق الدهون، مع الحفاظ على مرونة الحركة وسهولة التنفيذ في أي مكان وزمان يختاره الشخص.
المشي كعلاج فعّال: أمراض يتفوّق فيها على الدواء
يعد المَشي اليومي أحد أفضل الوسائل الطبيعية للوقاية والعلاج من عدد كبير من الأمراض المزمنة. ويتميّز بفعاليته الفسيولوجية التي تتجاوز في بعض الحالات تأثيرات الأدوية. فهو لا يتطلب وصفة طبية، ولا يكلف شيئًا، ومع ذلك يوفّر فوائد صحية هائلة.
فعند المَشي، تنشط الدورة الدموية، مما يُحسّن من نقل الأكسجين والمواد الغذائية إلى الخلايا. كما تعمل عضلة القلب والرئتان بكفاءة أكبر، وتزداد قوة العضلات، وتصبح المفاصل أكثر مرونة مع تحرّكها المنتظم، ويزداد تدفّق الدم إليها. إضافة إلى ذلك، يساعد المَشي على تهدئة الجهاز العصبي، مما يخفف من التوتر ويحسّن الحالة النفسية. هذا التكامل الوظيفي بين أجهزة الجسم يعزز من عمليات الشفاء الذاتي ويقوي جهاز المناعة – وكل ذلك بدون تدخّل دوائي.
1. السمنة ودهون البطن
من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا في العصر الحديث، والتي يهدر الكثير من الأشخاص وقتهم وأموالهم في مكافحتها، هي السمنة وتراكم دهون البطن والكبد الدهني. ورغم تنوّع الحميات والمكملات الغذائية، إلا أن المَشي المنتظم يعد من أكثر الوسائل فاعلية ليس فقط في علاج هذه الحالات، بل في الوقاية منها أيضًا.
من خلال برنامج منتظم مثل خطة الـ8 أسابيع لخسارة دهون البطن، يمكن تحقيق نتائج ملحوظة بخطوات بسيطة، حيث يؤدي المشي إلى زيادة حرق السعرات الحرارية وتنشيط عملية التمثيل الغذائي. وتحفيز الجسم على استخدام الدهون كمصدر للطاقة، خاصة عند ممارسة المشي بوتيرة معتدلة ولمدة كافية يوميًا.
كيف يساعد المشي على التخلص من دهون البطن؟
يعد المشي المنتظم من أبسط وأقوى الأدوات لمكافحة دهون البطن، خصوصًا الدهون الحشوية (Visceral Fat) التي تحيط بالكبد والأعضاء الداخلية. فكل خطوة تُحرّك عضلات البطن وتحفز على تفكيك وتكسير الخلايا الدهنية تدريجيًا، خاصةً عند ممارسة المشي السريع.
يزيد المشي من تدفّق الدم والأكسجين إلى الأنسجة الدهنية العميقة، مما يسهل انكماش حجم الخلايا الدهنية نتيجة انخفاض تركيز السكر في الدم الذي تستخدمه عضلات الجسم أثناء الحركة، وبالتالي ينخفض مستوى الإنسولين. هذا الانخفاض يعزز من حساسية الجسم للإنسولين،كما ويساهم في تحسين صحة الكبد، ما يؤدي إلى التعافي التدريجي من مرض الكبد الدهني غير الكحولي، أحد الأسباب الرئيسة للسمنة، والسكري من النوع الثاني، وبعض أشكال الضعف الجنسي لدى الذكور والإناث.
إلى جانب ذلك، يساهم المشي المنتظم في حرق السعرات الحرارية من الدهون المحيطة بالعضلات. مما يساعد في فقدان الوزن الزائد، لا سيّما عند الانتظام عليه بشكل يومي. أما المشي السريع بوتيرة ثابتة، فهو ينشط عملية الأيض (التمثيل الغذائي)، ويبقي الجسم في حالة حرق للطاقة حتى بعد الانتهاء من التمرين، وأحيانًا حتى أثناء النوم.
التأثير الكمي: كم يحرق المشي من السعرات؟
النتائج تعتمد على التفاصيل الدقيقة. فمثلًا، المشي لمسافة كيلومتر واحد (حوالي 10 دقائق من المشي المعتدل) يساهم في حرق ما يقارب 100 سعرة حرارية. أي أن نصف ساعة من المشي كما يمكن أن تحرق ما يعادل 300 سعرة حرارية، وهو ما يقارب 4000 إلى 5000 خطوة.
لكن السؤال الأهم: كم خطوة أو كم دقيقة من المشي تحتاج يوميًا لتخسر 5 كيلوغرامات خلال 8 أسابيع؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على نمطك الحركي ووزنك الحالي، وسنستعرضها بالتفصيل لاحقًا في المقالة.
ثانيًا: داء السكري ومقاومة الإنسولين
كيف يساهم المشي في تحسين حساسية الإنسولين وخفض مستويات السكر في الدم؟
يعد المشي من العوامل الفعالة والمثبتة علميًا في تحسين التحكم بمستويات سكر الدم والحد من مقاومة الإنسولين، وهي حالة يعاني منها ما بين 50 إلى 70٪ من البالغين، في كثير من الأحيان دون علمهم. كما وقد أثبتت الدراسات أن الانتظام في المشي يمكن أن يحدث تحسنًا كبيرًا في المؤشرات الحيوية لدى مرضى السكري من النوع الثاني، بل ويساعد على الوقاية منه لدى المعرضين للإصابة.
خلال المشي يتم تحفيز ما يقارب 200 عضلة في الجسم بطريقة متناغمة. بمشاركة الجهاز العصبي الإرادي واللاإرادي لتنسيق الحركة والحفاظ على التوازن. هذا النشاط المتواصل يستهلك كميات كبيرة من الطاقة والسكر المخزن، مما يؤدي إلى خفض مستويات الجلوكوز في الدم بشكل طبيعي.
ومن المثير للاهتمام أن حتى العضلات الصغيرة. مثل عضلة “السوليوس” (Soleus) الواقعة خلف عضلة الساق، تساهم بشكل فعّال في سحب الجلوكوز من الدم، حيث تبدأ باستخدام السكر كمصدر طاقة منذ اللحظات الأولى للمشي. لهذا السبب، توصف هذه العضلة أحيانًا بأنها “محرك خفي” لتنظيم السكر في الجسم.
علاوة على ذلك، يمكن لعضلات الجسم خلال التمرين أن تستهلك الجلوكوز دون الحاجة إلى الإنسولين. إذ تؤدي انقباضات العضلات إلى تنشيط ناقلات الجلوكوز (GLUT4) داخل الخلايا العضلية، والتي تسحب السكر من الدم مباشرة لتغذية العضلة. ومع التكرار اليومي للمشي، يتحسن هذا المسار الحيوي، مما يقلل من مقاومة الإنسولين ويعزز من استجابة الخلايا له.
دور النظام الغذائي في دعم فعالية المشي
لتحقيق نتائج أفضل في إدارة مرض السكري، يوصى بتكامل المشي المنتظم مع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات. فقد أظهرت الدراسات أن نظام الكيتو أو اللوكارب يساعد على تقليل مستويات الإنسولين من خلال خفض استهلاك الكربوهيدرات، مما يُجبر الجسم على استخدام الدهون كمصدر رئيسي للطاقة. وعند دمج هذه الأنظمة مع الصيام المتقطع. يحصل الجسم على فترات راحة من الأكل، وهو ما يسهم في تحسين الحساسية للإنسولين وتسريع الاستجابة العلاجية.
متى تبدأ نتائج المشي بالظهور؟ وكيف يمكن استهداف مناطق محددة من الجسم؟
يعد المشي المنتظم وسيلة فعّالة لتحسين اللياقة البدنية وتغيير شكل الجسم تدريجيًا. ومع التزام خطة واضحة ومدروسة، يمكن ملاحظة نتائج ملموسة خلال فترة قصيرة نسبيًا.
من اليوم الأول. يبدأ الجسم بالاستجابة للحركة، حيث يشعر الفرد بارتفاع في مستويات الطاقة، وتحسن في المزاج، وتنشيط ملحوظ للدورة الدموية. بعد عدّة أيام (3–4 أيام)، تبدأ المفاصل بالتحسّن من حيث المرونة، وتصبح العضلات أكثر ليونة واستجابة. كما يلاحظ في هذه المرحلة أن الملابس قد تصبح أوسع قليلًا نتيجة فقدان بعض السوائل والانتفاخات الموضعية.
بحلول الأسبوع الأول، تبدأ عضلات الساقين باكتساب قوة أكبر، وتصبح الأنشطة اليومية مثل صعود الدرج أقل إجهادًا. أما في الأسبوع الثاني، فتظهر تغيرات أوضح في عضلات الفخذين والساقين، من حيث الشكل والقوة العضلية.
ابتداءً من الأسبوع الثالث وحتى الشهر الثالث، تبدأ التغيرات الهيكلية بالظهور:
- تقلّ المقاسات تدريجيًا.
- تنخفض نسبة الدهون.
- تتحسن الكتلة العضلية.
- وتسجل تحسّنات ملحوظة في مؤشرات الصحة العامة، مثل ضغط الدم، ومستويات الكوليسترول، وسكر الدم.
كيف يمكن استهداف مناطق محددة خلال المشي؟
رغم أن المشي يعد تمرينًا شاملاً. إلا أنه يمكن توجيه الجهد نحو مناطق معينة من الجسم من خلال بعض التعديلات في التقنية:
1. لشد المؤخرة (عضلات الألوية – Glutes):
- المشي على منحدر مائل بدرجة تتراوح بين 4–8٪.
- استخدام أسلوب المشي المتقطّع (Intervals).
- تقصير الخطوة للأمام، وإطالتها للخلف.
- الحفاظ على ميل خفيف من مفصل الكاحل.
- المشي بسرعة تتراوح بين 5 إلى 6.5 كم/ساعة.
- المحافظة على وتيرة 110–125 خطوة في الدقيقة.
- ضغط عضلات المؤخرة في نهاية كل خطوة (Glute Squeeze) لتحفيزها بشكل إضافي.
2. لشد البطن ونحت الخصر:
استخدام تقنية شد عضلات البطن الداخلية (Abdominal Drawing-In) عبر سحب السرّة بلطف نحو الداخل أثناء المشي. لتفعيل العضلات العميقة المسؤولة عن دعم العمود الفقري واستقرار الجذع.
المشي على منحدر خفيف مع تفعيل عضلات الجذع.
استخدام عصي المشي (Nordic Walking) لتحفيز دوران الجذع وحركة الذراعين. وهو ما يرفع نسبة العضلات المشاركة إلى 90٪ ويزيد من استهلاك الطاقة بنسبة 45٪ مقارنة بالمشي التقليدي.
حمل وزن خفيف يعادل 5–10٪ من وزن الجسم أثناء المشي.
اختيار أسطح غير مستوية (مثل الرمال أو العشب الطبيعي). مما يزيد من تفعيل عضلات الجذع لتثبيت العمود الفقري، وبالتالي حرق الدهون الحشوية المحيطة بالبطن.
الحفاظ على نفس وتيرة الخطوات (110–125 خطوة/دقيقة) مع تعديل طول الخطوة لتكون أقصر أماميًا وأطول خلفيًا، مما ينشّط عضلات البطن ويساهم في تقصير عضلة المؤخرة.
ثالثًا: المشي لعلاج ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب التاجية
يعد ارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين التاجية من أكثر الأمراض القلبية خطورة وانتشارًا، وغالبًا ما يطلق عليهما “القاتلان الصامتان” نظرًا لعدم ظهور أعراض واضحة في المراحل المبكرة، بينما قد تؤدي مضاعفاتهما إلى أزمات قلبية أو سكتات دماغية مفاجئة.
لكن المفارقة الإيجابية أن علاجًا بسيطًا ومتاحًا مثل المشي المنتظم يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في السيطرة على هذه الأمراض أو حتى الوقاية منها.
المشي كدواء طبيعي للقلب والأوعية الدموية
عند ممارسة المشي، يبدأ الجسم في فقدان كميات من السوائل من خلال التعرق. وهذه السوائل تكون غالبًا محبوسة في الجسم وتشكل عبئًا على القلب. كما أن التعرق لا يفقد الجسم الماء فحسب. بل يساعد أيضًا على التخلص من الصوديوم الزائد، وهو أحد العوامل الأساسية في رفع ضغط الدم.
بالإضافة إلى ذلك. يقلل المشي من مستوى الإنسولين في الدم، وهو هرمون عندما يكون في مستويات مرتفعة يحفز احتباس الصوديوم وتخزين الدهون. وبالتالي، فإن المشي يساهم في تحسين التوازن الهرموني وتقليل الدهون الثلاثية والكوليسترول في الجسم، مما يدعم صحة الشرايين.
تحسين الدورة الدموية وتوسيع الشرايين
يُساعد المشي على توسيع الأوعية الدموية الطرفية، مما يُحسّن من تدفق الدم ويقلل من المقاومة الوعائية. كما يعمل على خفض التوتر العصبي وتخفيف سرعة نبض القلب في وضع الراحة، وهما عاملان مرتبطان بشكل مباشر بضغط الدم.
تشير الدراسات إلى أن ممارسة 150 دقيقة أسبوعيًا من المشي المعتدل تساهم في تقليل الضغط الانقباضي بمتوسط 4.1 ملم زئبق، والضغط الانبساطي بمتوسط 1.8 ملم زئبق.وفي دراسة موسّعة شملت أكثر من 78,000 شخص، تبيّن أن المشي بمعدل 10,000 خطوة يوميًا يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 30–40٪.
أحد أهم مزايا المشي هو أن فعاليته تزداد بازدياد مدته وكثافته. فالمشي بسرعة أعلى أو لفترة أطول يحسن من تدفق الدم ويُحافظ على مرونة بطانة الشرايين، مما يقلل من احتمالية تراكم الترسبات الدهنية ويقي من تصلّب الشرايين (Atherosclerosis)، وهو من أهم مسببات أمراض القلب المزمنة.
رابعًا: المشي كوسيلة فعالة للتخفيف من القلق والاكتئاب
إلى جانب فوائده الجسدية، يعتبر المشي المنتظم من أقوى الأدوات النفسية لتحسين الحالة المزاجية ومقاومة أعراض القلق والاكتئاب، وهو ما تؤكده نتائج العديد من الأبحاث في مجالات الطب النفسي وعلوم الأعصاب.
عند ممارسة المشي، تحدث عدة تفاعلات بيولوجية وعصبية تساهم في تحسين الصحة النفسية بشكل مباشر. من أبرز هذه التفاعلات:
- تحفيز البكتيريا النافعة في الأمعاء، والتي تلعب دورًا في إنتاج السيروتونين، أحد النواقل العصبية الأساسية المرتبطة بتنظيم المزاج، النوم، والشهية.
- إفراز الإندورفين، وهي مواد كيميائية طبيعية مسكنة للألم تفرز أثناء التمارين الهوائية، وتعطي شعورًا بالراحة والهدوء، يُشبه تأثيرها ما يُعرف بـ “الراحة بعد التمرين”.
- زيادة مستويات الدوبامين، هرمون المكافأة والتحفيز، مما يعزز الشعور بالإنجاز والنشاط ويقلل من التثبيط النفسي.
- كذلك، يحفز المشي إنتاج الناقل العصبي GABA (حمض الغاما-أمينوبيوتيريك)، والذي يُساعد على تهدئة فرط النشاط العصبي في الدماغ، ويُساهم في تقليل القلق وتحقيق الاسترخاء.
هذه التغيرات الكيميائية والعصبية تساهم مجتمعة في تحسين الحالة النفسية للفرد، وتقلل من أعراض الاكتئاب، خصوصًا في حالات الاكتئاب المزمن أو المعتدل. وقد أظهرت الدراسات أن المشي المنتظم يمكن أن يكون له تأثير مشابه لبعض مضادات الاكتئاب، لا سيما عندما يمارس بشكل مستمر إلى جانب نمط حياة صحي.
ومن الجدير بالذكر أن التأثير الإيجابي للمشي يبدأ منذ الجلسات الأولى، إذ يمكن الشعور بتحسن فوري في المزاج بعد جولة مشي قصيرة، نتيجة انخفاض التوتر وتشتت التركيز عن التفكير السلبي.
ما الكمية المناسبة من المشي يوميًا؟ وماذا عن السرعة وعدد الخطوات؟
لكي يكون المشي فعّالًا في حرق الدهون وتحسين الصحة الأيضية، لا يكفي القيام به بشكل عشوائي، بل من الضروري فهم “الجرعة المناسبة” من حيث المدة، السرعة، وعدد الخطوات.
مدة المشي وحرق الدهون
في النصف ساعة الأولى من المشي، يعتمد الجسم بشكل أساسي على مخزون الجلايكوجين الموجود في العضلات والكبد كمصدر للطاقة. بعد هذه الفترة، يبدأ تدريجيًا التحول إلى استخدام الدهون والأحماض الدهنية كمصدر بديل للطاقة. ومع استمرار النشاط البدني لفترات أطول (تحديدًا بعد 60–90 دقيقة)، يصبح الاعتماد الأكبر على حرق الدهون والأجسام الكيتونية.
لذلك، توصى الجلسات الفعالة لحرق الدهون بـ:
- مدة لا تقل عن 90 دقيقة للجلسة الواحدة من المشي السريع.
- مجموع أسبوعي لا يقل عن 300 دقيقة من المشي، موزعة على 3 إلى 4 أيام أسبوعيًا.
السرعة المثالية لحرق الدهون
لتحقيق أقصى استفادة من المشي:
- استهدف المشي بسرعة 5–6 كيلومترات في الساعة، وهي سرعة تُعادل ما يعرف بـ “المشي السريع”.
- هذه الوتيرة تحافظ على معدل ضربات القلب عند نحو 70٪ من الحد الأقصى المسموح به، وهي النسبة المثالية لحرق الدهون.
- بهذه السرعة، يمكنك حرق ما بين 150–170 سعرة حرارية في 30 دقيقة، مقارنةً بـ 90–100 سعرة فقط عند المشي البطيء.
لزيادة الشدة ورفع معدل نبض القلب:
- اختر طرقًا ذات ميل طبيعي (مثل المسارات الجبلية).
- أو استخدم جهاز المشي مع إمالة بين 5–10 درجات.
- يمكن أيضًا إدخال هرولة خفيفة لمدة 5 دقائق كل 15 دقيقة من المشي.
خطوات المشي مقابل الوقت
- 45 دقيقة من المشي السريع تنتج ما يقارب 6,000 إلى 7,000 خطوة، بحسب طول الخطوة وسرعة المشي.
- عند المشي بسرعة 7–8 كم/ساعة، يمكن بلوغ 10,000 خطوة في ساعة واحدة.
- المشي المنتظم وفق هذه المعايير يُعتبر ما يُعرف بـ “المشي الذكي”، وهو مفتاح فعال لتحقيق نتائج أسرع في إنقاص الوزن وتحسين اللياقة.
المشي والصحة النفسية
أما فيما يخص تحسين الحالة النفسية ومقاومة الاكتئاب، فإن الدراسات تشير إلى أن:
- 30 دقيقة يوميًا من المشي بوتيرة معتدلة (حوالي 5,000 خطوة) تعد كافية لبدء تحسن الحالة النفسية.
- بينما زيادة عدد الخطوات إلى 7,500 يوميًا يرتبط بانخفاض أعراض الاكتئاب بنسبة تصل إلى 42٪.
خامسًا: المشي كوسيلة فعالة لعلاج متلازمة القولون العصبي
تعد متلازمة القولون العصبي (IBS) من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعًا، وغالبًا ما تكون مصحوبة بأعراض مزعجة مثل الانتفاخ، الإمساك، الغازات، وآلام البطن. إلا أن المشي المنتظم يمكن أن يساهم بشكل فعال في التخفيف من هذه الأعراض وتحسين نوعية حياة المرضى.
كيف يؤثر المشي على وظيفة القولون؟
عند المشي، يتم تنشيط الجهاز العصبي الذاتي (اللاإرادي)، كما وبشكل خاص الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المسؤول عن تنظيم الهضم. هذا التنشيط يساعد على:
- تحسين الحركة الدودية للأمعاء، مما يسهل حركة الطعام عبر الجهاز الهضمي ويقلل من احتمالية حدوث الإمساك أو الانقباضات غير المنتظمة.
- تخفيف التوتر النفسي، وهو أحد العوامل الرئيسية التي تفاقم أعراض القولون العصبي.
دور البكتيريا النافعة والغدة الدرقية
يساهم المشي أيضًا في:
- تحفيز نشاط البكتيريا النافعة وزيادة تنوعها داخل الأمعاء، ما يُحسّن من كفاءة الهضم ويقلل من إنتاج الغازات.
- دعم وظيفة الغدة الدرقية، مما يعزز إفراز هرمون الثيروكسين، والذي بدوره يحفز حركة القولون ويسرع مرور الفضلات.
في دراسة حديثة نشرت عام 2024، تبيّن أن:
- زيادة عدد الخطوات بمعدل 18,000 خطوة أسبوعيًا، على مدى 12 أسبوعًا، أدى إلى تخفيف أعراض القولون العصبي بنسبة 44٪، دون الحاجة لأي تغييرات كبيرة في النظام الغذائي أو فقدان الوزن.
- أكثر عرض شهد تحسّنًا ملحوظًا كان الانتفاخ، ما يشير إلى أن النشاط الحركي بحد ذاته يلعب دورًا علاجيًا مباشرًا.
توصي الإرشادات العامة للأشخاص المصابين بمتلازمة القولون العصبي بـ:
- ممارسة المشي لمدة 30 إلى 60 دقيقة يوميًا، بمعدل 3 إلى 5 أيام أسبوعيًا.
- يُفضّل أن يكون المشي معتدل الشدة، حيث يساهم في تحسين التروية الدموية للجهاز الهضمي، وتعزيز المناعة المخاطية، وتقليل التقلصات المعوية.
سادسًا: المشي كوسيلة فعالة لتخفيف آلام المفاصل ومكافحة خشونتها وهشاشة العظام
على عكس الاعتقاد الشائع، فإن المشي المعتدل لا يضر المفاصل، بل يعدّ من أفضل الأنشطة التي يمكن القيام بها لدعم صحة المفاصل والعظام، خاصة عند التقدّم في العمر أو وجود مشاكل مثل الخشونة أو هشاشة العظام.
كيف يساعد المشي على صحة المفاصل؟
عند المشي، تحدث مجموعة من التغيرات الفيزيولوجية المفيدة للمفاصل، أهمها:
- تحفيز إفراز السائل الزلالي داخل المفصل، وهو مادة طبيعية تشكل “تزييتًا حيويًا” لأسطح المفاصل، مما يقلل من الاحتكاك ويحافظ على نعومة حركة الغضاريف.
- تقوية العضلات المحيطة بالمفصل، مثل عضلات الفخذين والوركين، مما يساهم في تقليل الحمل الميكانيكي المباشر على المفصل نفسه، وبالتالي تخفيف الضغط والإجهاد عنه.
- تحفيز إفراز الإندورفين، وهو مركب كيميائي طبيعي في الجسم يعمل كمسكن ألم طبيعي، ما يساعد في تقليل الشعور بالألم وتحسين القدرة الحركية.
تشير الأبحاث إلى أن:
- المشي المنتظم يساهم في تحسين مدى حركة المفصل وتقليل التيبّس وآلام الخشونة، خاصة في الركبتين.
- المشي لمسافة تُقدّر بـ 5 إلى 6 أميال أسبوعيًا (حوالي 8 إلى 10 كم) يُقلّل من خطر الإصابة بالتهاب المفاصل التنكسي.
- إحدى الدراسات أظهرت أن الأفراد المصابين بخشونة مبكرة في الركبة والذين مارسوا المشي بانتظام، انخفضت لديهم احتمالية تطور الألم بنسبة 40٪ مقارنة بمن لم يمارسوا المشي.
المشي وهشاشة العظام
يُعتبر المشي أيضًا من التمارين الفعالة في الوقاية من هشاشة العظام، كما نظرًا لكونه تمرينًا يعتمد على وزن الجسم (Weight-Bearing Exercise). أثناء المشي، تُحفّز العظام على الحفاظ على كثافتها، مما يُعزز من قوتها ويُقلّل خطر الكسور.
ولتوضيح أهمية الحركة في صحة العظام، تشير دراسات الفضاء إلى أن روّاد الفضاء يفقدون من 1٪ إلى 2٪ من كثافة عظامهم شهريًا بسبب انعدام الجاذبية وعدم المشي، ما يؤكد ضرورة المشي للحفاظ على كثافة العظام.
توصيات عملية
- ابدأ بالمشي بشكل تدريجي، وخصوصًا إذا كنت تعاني من خشونة المفاصل.
- احرص على المشي على أرض مستوية لتجنّب الضغط الزائد على المفاصل.
- ارتد حذاء مريحًا وملائمًا يوفر الدعم الجيد للكاحلين والكعب.
الخلاصة
يعد المشي المنتظم من أبسط وأقوى الوسائل العلاجية الطبيعية التي تساهم في تحسين الصحة العامة والوقاية من العديد من الأمراض المزمنة. فالمشي لا يقتصر على تحريك العضلات وحرق السعرات، بل يحفز الدورة الدموية، ويُحسّن من عمل القلب، والرئتين، والجهاز العصبي، ويُساعد على توازن الهرمونات وتنظيم المزاج.
تشير الأدلة العلمية إلى أن المشي يمكن أن يساهم بشكل فعال في تقليل الوزن، خفض سكر الدم، تحسين مقاومة الإنسولين، خفض ضغط الدم، والتخفيف من أعراض القولون العصبي، الاكتئاب، والمشكلات المفصلية. كما يساعد في تحسين كثافة العظام وتقوية العضلات، مما يجعله تمرينًا مثاليًا لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة.
لتحقيق هذه الفوائد، يوصى بممارسة المشي السريع لمدة 30–60 دقيقة يوميًا، أو ما يعادل 300 دقيقة أسبوعيًا. ويمكن تعزيز الأثر من خلال تعديل طريقة المشي والتركيز على تحفيز مناطق معينة من الجسم، مثل البطن أو الأرداف، إضافةً إلى دمجه مع نظام غذائي مناسب. المشي هو دواء مجاني، وآمن، وفعّال وكل خطوة تقرّبك أكثر نحو نمط حياة صحي ومستقر.
للتواصل المباشر مع خدمات عيادة سمارة للتغذية
يمكنك التواصل مباشرة مع كادر العيادة المتخصص من حول العالم. كما و الاستفادة من برامجنا الغذائية المتخصصة في علاج الامراض المزمنة المختلفة . و ذلك من خلال حجز المواعيد بواسطة موقع العيادة او خدمة الواتساب.
- رقم واتساب العيادة: 00962795581329
- موقع العيادة الالكتروني: www.samaraketolife.com
المصادر
Muscle activation patterns during backward walking in people with chronic ankle instability
The Effect of the Abdominal Drawing-in Manoeuvre during Forward Steps
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/35174137